إلى العروسين
1/ من الصور الرائعة التي كانت بارزة في بيوت سلفنا الصالح تلك الصور التي تحكي التعاون الإيماني بين الزوجين في القيام ببعض العبادات والتعاهد على أن يعينَ بعضُهم بعضاً في أداءِ الفرائض والمستحبات .وقد ُروي في هذا المعنى صفحاتٌ مشرقة ومشاعلُ نيرة جديرة باهتمام الدعاة لتكون مثالاً يُحتذى في بيوتهم .فهذا دعاء بالرحمة لزوج قام من الليل فأيقظ أهله (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته )حسّنه الألباني،
وقد يسبق ذلك تذكير بحقيقة الدنيا الزائلة وموعظة يذكّر بها الزوج زوجه بالآخرة المقبلة ويخوف فيها من مضلات الفتن وحاجة المرء إلى صلة تصله بربه ليرقق القلب وليهيئه وينشطه للقيام بتلك العبادات كما قال صلى الله عليه وسلم (سبحان الله !! ماذا أُنزل الليلة من الفتن ،وماذا فتح من الخزائن ..أيقظوا صويحبات الحجرات ، فرب كاسية في الدنيا عارية ٍ في الآخرة )رواه البخاري .
قال ابن حجر _رحمه الله _ في فوائد الحديث : وفيه ندبية إيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة.أ.هـ. ومع هذا فقد يشعر الزوج بضعفه وتكاسله عن القيام بمفرده ، وعندئذ يمكن أن يوقظ زوجته ويصليا جميعاًً وذلك أيسر على النفس في أداء العبادات وأسهل في التغلب على المعوقات، قال صلى الله عليه وسلم ( إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كُتبا من الذاكرين والذاكرات) صحيح الترغيب .
وفي الأذكار وكثرة التسبيح والتهليل وقراءة الأوراد مجال رحب للتعاون بين الزوجين فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين جويرية وكان قد خرج منها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها (أي في موضع صلاتها ) ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ( ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت نعم .فقال صلى الله عليه وسلم : لقد قلت بعدك أربع كلمات ،ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته )رواه مسلم.
وليس الأمر مقصوراً على التعاون في العبادات المحضة بل هناك صوراً أُخرى كثيرة تقوي الإيمان ويسعد بها الزوجان مثل أداء العمرة والحج والصيام و الصدقة ونحوها من أبواب البر .
.قالت سعدى دخلت يوماً على طلحة (تعني زوجها طلحة بن عبيد الله) فرأيت منه ثقلاً (تعني هماً ) فقلت له : ما لك لعلك رابك منا شيء (أي لعله صدرت منا إليك إساءة )فنعتبك؟(أي فنعتذر منك ) .
قال لا ، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت ِ،ولكن اجتمع عندي مال ٌ ولا أدري كيف أصنع به ؟
قالت : وما يغمك منه ؟ ادع قومك ،فاقسمه بينهم !
فقال : يا غلام ! علي بقومي.
قالت : فسألت الخازن كم قسم ؟
قال : أربعمائة ألف )
رواه الطبراني وهو في صحيح الترغيب. وفي المعنى حديث عائشة مرفوعاً (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثلُ ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً)رواه البخاري ومسلم .
فما أحوجنا لإحياء هذه الصور في بيوتنا!! نوثق بها صلتنا بربنا، ونقوي بها إيماننا، ونربي بها زوجاتنا . إن من الرزية أن يقصر الزوج علاقته بزوجته في شؤون الدنيا ومتاعها، ومن النقص الذي لا يليق ألا نتجاوز في أحاديثنا مع زوجاتنا شهوات الفرج والبطن .فكم منا سيجعل من هذه الليلة بدايةً للانطلاق في مدارج السمو الإيماني ليضع جبهته ساجداً ومعه زوجته يلهجان بلسان خاشع وقلب خاضع : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
الى العروسين
2 / أن يحب الرجل زوجته ويعلمها بذلك لا يكفي لأن تكتمل الثقة عندها، ولكن لابد من إبداء الرغبة الدائمة فيها وأنها مرغوبة في كل الظروف ، خاصة أوقات حيضاتها المتكررة والتي يعتريها أحوال نفسية وضعف جسدي ، وهذا ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهديه العملي مع زوجاته رضي الله عنهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في ) رواه مسلم
والعرق هو العظم الذي عليه بقية اللحم ، وقيل هو اللحم على عظمه ، وعنها رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن ) رواه مسلم ،
وعنها أيضا رضي الله عنها قالت : ( كان النبي إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ) رواه مسلم ، وترجيل الشعر أي تسريحه .
أخي الزوج : هل تظن أن رجلا يفعل مثل هذا مع زوجته يداخلها شك في حبه لها ورغبته فيها ؟ وهل يبقى لشيطانها مجالا لإشعال الغيرة عندها على زوجها ؟ فإذا وثقت من حب زوجها لها أخلصت له واكتفت بحظها منه، وبالتالي وثق زوجها فيها ولم يعد شيطانه هو الآخر يداخله بشك أو غيرة .
وأحب أن ألف النظرة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وسنه حوالي الستين من عمره الشريف ، وأن صيغة الرواية عن عائشة رضي الله عنها تشير إلى أن ذلك كان سلوكا معتادا وليست واقعة حدثت ولم تتكرر، فما أجمل وأهنأ العيش بين زوجين يحرص كل منهما على إظهار حبه للآخر في أنماط سلوكية راقية ومعبرة بصدق عن المودة والرحمة والرغبة والمجاملة الممزوجة بالوقار العاطفي ، ويا سعد وهناء من يقتدي بالصادقين الصالحين في حبهم وسلوكهم مع أهلهم ..
الى العروسين
3 / رفقا بالقوارير ، فإنهن مثل العصافير ، لكل روض ريحان ، وريحان روض الدنيا النسوان ، هن شقائق الرجال ، وأمهات الأجيال ، هن الجنس اللطيف ، والنوع الظريف ، يلدن العظماء ، وينجبن العلماء ، ويربين الحلماء ، وينتجن الحكماء ، المرأة عطف ، ولطف وظرف ، سبابها سراب ، وغضبها عتاب ، من خطه المشيب فليس له من ودّهن نصيب ، لو جعلت لها الكنوز مهرا ، وقمت على رأسها بالخدمة شهرا ، ثم رأت منك ذنبا قليلا ، قالت ما رأيت منك جميلا ، القنطار من غيرها دينار ، والدينار منها قنطار ، هي في الدنيا متاع ، والحسن والإبداع ، وهي للرجال لباس ، وفي الحياة إيناس .
وهي الأم الحنون ، صاحبة الشجون ، خير من رثى وبكى ، وأفجع من تألم وشكى ، لبنها أصدق طعام ، وحضنها أكرم مقام ، ثديها مورد الحنان ، وحشاها مهبط الإنسان ، في عينها أسرار، وفي جفنها أخبار .
والبيت بلا امرأة محراب بلا إمام ، وطريق بلا أعلام ، إذا اختفت المرأة من الحياة ، اختفت منها القبلات والبسمات ، والنظرات والعبرات .
وإذا غابت المرأة من الوجود غاب منه الإخصاب والإنجاب ، والكلمات العذاب ، والعيش المستطاب ، في الحديث (( تزوجوا الودود الولود )) والسر في ذلك لتكثر الحشود ، وتزداد الجنود ، وليكاثر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الوفود .
يوم تخلع المرأة الحجاب ، وتضع الجلباب ، فقد عصت حكم الإسلام ، وخرجت على الاحتشام ، وقل على العفاف السلام .
كيف يسكن بيت بلا أبواب ، ويحل قصر بلا حجاب ، ويشرب ماء ولغت فيه الكلاب ، من حق الدرة أن تصان ، ومن واجب الثمرة أن تحفظ في الأكنان ، وكذلك المرأة بيتها أحسن مكان ، ولكن المرأة إذا قلبت ظهر المجن ، وعرضت نفسها للفتن ، فهي ظالمة في ثوب مظلوم ، عندهن من أصناف المكر علوم .
كيد الشيطان ضعيف وكيدهن عظيم ، وقوتهن واهية لكن خطرهن جسيم ، هن صويحبات يوسف ذوات السكاكين ، وقاهرات الرجال المساكين .
فاجعل بينهن وبين الشر لهبا ، واملأ عليهن منافذ الفتنة حرسا شديدا وشهبا، فلا تعرض اللحم على الباز ، ولا تنشر القماش على البزاز ، فأنعم بحرز الستر والصيانة ، وأكرم بحجاب العفاف والحصانة .
وإذا رزقت بنات ، فإنهن من أعظم الحسنات ، حجاب من النار ، وحرز من غضب الجبار ، فاحتسب النفقة ، فإنهن صدقة ، ولو أنها غرفة من مرقة ، وتعاهدهن بالبر والصلة ، فإن رحمتهن للجنة موصلة ، وكفاك أن الرسول المشرع ، رزق بأربع بنات.
والمرأة هي بطلة الأمومة ، ومنجبة الأمة المرحومة ، فضائلها معلومة ، وهي معدن الحسب والكرم والأرومة .
وتعليمها الدين من أشرف خصال الموحدين ، لأنها تصبح لكتاب الله تالية ، ذات أخلاق عالية ، تتفقه في الكتاب والسنة ، لأنها أقرب طريق للجنة .
ونحن الرجال أسندت إدارة الحياة لنا ، وكتب القتل والقتال علينا ، وأم النساء في الإسلام فمقصورات في الخيام ، محفوظات من اللئام ، مصونات عن الآثام .
وماذا فعل بالمرأة سقراط وبقراط وديمقراط ، أهل الأوهام و الأغلاط ، جعلوها شيطانة ، وسموهاالفاتنة ، وإنما هي في بعض الأوقات قهرمانة ، وريحانة .
وما كرم النساء مثل صاحب الشريعة السمحاء ، والملة الغراء ، فقد بين بقوله: (( خيركم خيركم لأهله )) ، ويا معاشر الأمم هل عندكم ، حديث (( الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم )